فالمشاركة الإيجابية والوفاء للوطن هي أبرز الدروس.
ونحن نحتفل بذكري المولد النبوي الشريف، طالب علماء الدين بالتأسي في أخلاقنا وتصرفاتنا، بسيد الخلق محمد، صلي الله عليه وسلم، وأن نعمل علي نبذ كل مظاهر العنف والتشدد في حياتنا، لأن نبينا، صلي الله عليه وسلم، الذي أرسله الله تبارك وتعالي رحمة للعالمين دعا إلي اليسر ونهي عن كل ألوان التشدد، وأن نلتزم جميعا المنهج النبوي الذي دعينا للعمل والإقتداء بهديه، وذلك تطبيقا لقول الله تبارك وتعالي: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}.
وأكد العلماء أن ميلاد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، كان بداية لإرساء مفهوم العدالة الإجتماعية، ومبادئ المواطنة وحقوق الإنسان والدولة الدستورية، التي لم يكن يعرفها احد من قبل مولده.
ويقول الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، إن حب الفرد وطنه واجب ولا يقف عند المشاعر والعواطف والأحاسيس بل يجب أن يترجم إلي سلوك صالح نافع للفرد والمجتمع، والإسلام دعا إلي الإيجابية في كل شيء من إجل النهوض بالوطن فقد كان النبي، صلي الله عليه وسلم، هو المعلم الأول للإيجابية رغم كثرة الشدائد والمحن التي تعرض لها هو وأصحابه وإنطبع ذلك في كل تصرفاته وأعماله فهو خير نموذج للإيجابية ومن خلال تطبيقه العملي للقران الكريم فقد كان أجود الناس وأشجعهم في نصرة الحق.
من جانبه طالب الدكتور عبدالمنعم أبو شعيشع، وكيل كلية أصول الدين بطنطا، المواطنين بالإقتداء بالنبي، صلي الله عليه وسلم، في شعوره بالمسئولية والمشاركة الإيجابية بالتوجيه والإصلاح والإرتقاء بالأمة والمجتمع خاصة وهذه هي صفة أصحاب الهمم العالية الساعين دوما للتقدم والخير ومواجهة الشر والفساد فالمسلم لا يقف ساكنا أمام المنكر ولكنه يتخذ موقفا إيجابيا فعالا.
وقال الشيخ محمد عز الدين، وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة، إن الوطن الذي ينعم أبناؤه بالأمن والطمأنينة يحتم علي أبنائه أن ينهض كل فرد منهم بواجباته ومسئولياته ومن أهمها محبة الوطن والدفاع عنه والمحافظة علي مرافقه وموارده الإقتصادية والحرص علي مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه والحذر من كل ما يؤدي إلي تخريبه وهدمه وعدم التفريط في حقه لان التفريط فيه خطر جسيم، وعدم الركون إلي السلبية، والمشاركة في الإستحقاقات الوطنية وإختيار من يمثلهم بحرية والتعبير عن أرائهم بالقبول أو الرفض وعدم التخلي عن حقهم الدستوري أو عن أي مسئولية وطنية.
ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، إن الرسول محمدا صلي الله عليه وسلم، لا يقاس بمقياس الزعماء والقادة، لأنه أعظم من هذا وأجل قدرا، وعظمته صلي الله عليه وسلم جاءت كونه رسولا من عند الله تعالي، حيث جاء بشرع ينظم جميع أنواع السلوك الإنساني، بداية لعلاقة الفرد بربه، وأيضا علاقة الفرد بالمجتمع وأسرته وجيرانه حتي علاقة الفرد بنفسه، مشيرا إلي أن هذا التنظيم في هذا السلوك الإنساني، جاء بطريقة غاية في الحكمة والدقة، لان الرسول صلي الله عليه وسلم جاء خاتما للرسالات السماوية، لذلك فلابد أن يكون شرعه وافيا لبيان الأحكام في كل عصر، وهذا ما نعبر عنه بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.
وأضاف: أن المنهج الإلهي في بيان الأحكام في شريعة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم جاء في غاية الحكمة، فالأمور التي يعلم الله سبحانه وتعالي أن مصلحة الإنسان فيها لا تتغير من عصر إلي عصر، ونجد الحق عز وجل قد بينها بيانا تفصيليا، بحيث لا يترك لنا حق التغيير فيها لا بالزيادة أو النقصان، وإنما علينا أن ننفذها في كل عصر كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولكن كيفية تحقيق مبدأ الشوري في المجتمع تركه المشرع بما يتلاءم مع ظروف كل عصر ومجتمع، المهم ان يتحقق، وعلي هذا فإننا نقول علي الإجمال إن مولد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، كان رحمة للعالمين، إذ أخرج الله سبحانه وتعالي بمولده ومبعثه صلي الله عليه وسلم، الناس من ظلمات الجهل إلي نور العلم والإيمان والعدل، خاصة أن شريعته جاءت خاتمة لكل الشرائع والأديان.
وعن التحول الإجتماعي بعد ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم، يقول الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الإجتماع بجامعة الأزهر، إن ميلاد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وبعثته، أعظم التغيرات الإجتماعية التي حدثت في تاريخ البشرية، وذلك بإعتراف غير المسلمين قبل المسلمين، فقد إستطاع أن يحقق دولة المواطنة بحق، وان يساوي في الحقوق والواجبات والحريات بين كل من يعيش علي ارض الدولة الإسلامية، دون أي تمييز علي أساس الدين أو اللون أو المستوي الإقتصادي.
وأضاف: أن الرسول، صلي الله عليه وسلم، إستطاع أن يؤسس لأول دولة دستورية، قائمة علي التزام الحاكم بمجموعة من الضوابط، وقيام المحكومين بمراقبة الحاكم وتقويمه، كما أكد ميلاد ومبعث الرسول صلي الله عليه وسلم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، أرسي مبدأ الديمقراطية المنضبطة بضوابط الشرع، فقد أكد القرآن الكريم والسنة المطهرة، حق الإنسان في حرية الرأي والنقد البناء والإختلاف مع مراعاة أدب الإختلاف.
تحقيق: خالد المطعني ومروة البشير.
المصدر: جريدة الأهرام اليومي.